روزفلت السياسي العبقري

روزفلت السياسي العبقري **فكر وواقع متحرك**

(من احترم حقوق الآخرين فقد احترم حقه).

(ان الظن الزائف بان الثروة المادية هي مقياس النجاح ,يماثل الظن الزائف بأن العمل السياسي الرفيع لا يقدّر الا بقدر مايصاحبه من المنصب والكبرياء والفائدة الشخصية).
كان شعار روزفلت عندما رشح للرئاسة في عام 1933 هو ((new deal)) وهو ما يمكن تسميته (العهد الجديد للتعامل ) وكان يعني برنامجا اجتماعيا _سياسيا يقدم الحل والامل (للرجل المنسى)اي الفقير وجعل نصيبا من الثروة لمن يحتاج اليها في المجتمع وقد رأينا في قراراته الاقتصادية كيف التزم ببرنامجه ,وكان هذا هو السر الخطير والبسيط ايضا في النجاح الذي حققه روزفلت في الانتخابات الثلاثة التي خاضها لرئاسة الجمهورية بنسبة نجاح 90% لم تقل عن 80%فيما بعد.

ليكون الرئيس الثاني والثلاثين للولايات المتحدة الامريكية والوحيد الذي انتخب ثلاث مرات لرئاسة الجمهورية مما يدل على تاييد شعبي كامل.

لم يكن روزفلت قطعة شطرنج في يد حزبه يحركها كيف يشاء , وانما كان صاحب موقف فقد حاول وهو بعد شاب ان يقرب وجهات النظر ,ويزيل الخلافات بين اعضاء حزبه,حتى انه كتب بذلك لمعظم الاعضاء بدءا من القيادات الحزبية وحتى كثير من الاعضاء ,وعندما اراد حزبه ان يرشح شيهان لعضوية الكونجرس رفض روزفلت لما يعرفه روزفلت عنه وعن مضارباته المريبة في سوق المال,لم يتخذ موقفا مضادا لاعضاء الحزب الجمهوري بدءا من حكمه لنيويورك وحتى نهاية حياته,وانما كان يضع الرجل الامثل في المكان الذي يحتاج اليه,وكان اختياره للكفاءات الكبيرة دليلا على حكمته وسببا في نجاح سياسته ايضا,فقد كان يختار العقل الموثوق به , كان اول رئيس يضع الكفاءة في الميزان, حتى انه كان اول رئيس يعين وزيرة امرأة وهي خبيرة العمل فرانسيس بيركنز.

اوضحت الحرب العالمية الثانية ان روزفلت اكثر قوة من اي رجل عرف من قبل فقد كان كقائد للقوات يتولى مسؤولية الجيش الذي كان اجمالي رجاله في الاسلحة المختلفة خمسة عشر مليونا, بكل مايلزمهم من عتاد عسكري ,وقد وفر الاموال والمصادر اللازمة للانتاج الحربي وقد ظهرت عبقريته في الاستراتيجية العسكرية وتوزيعه لقواته وقواده,الذين كان يرسل بهم الى البقاع المختلفة من العالم,كان يتابع العمليات الحربية على خريطة العمليات في حجرته في البيت الابيض , ويتلقى التقارير عن المعارك ساعة بساعة طوال سنين الحرب,على انه يجب الاشارة الى ان امريكا لم تدخل الحرب العالمية الثانية الا بعد ان ضرب اليابانيون الاسطول الامريكي في (بيرل هاربور) في 7 ديسمبر 1941 مما دفع امريكا الى اعلان الحرب على اليابان فقط,لكن هتلر وبالتالي موسوليني اعلنا الحرب على امريكا تضامنا مع اليابان بعد ضرب الاسطول الامريكي باربعة ايام.

وفي لقاءات روزفلت مع الحلفاء يحاول ان يدخل معهم في معركة النفوذ والسيادة على القارة اوربا او المستعمرات التابعة لها او التاثير عليها بعد ان لاحت الانتصارات للحلفاء في المعارك برغم ان التفوق العكسري الامريكي كان قد بلغ ذروته وانما كان يعد في هذا الوقت مشروعه الذي لم يره والخاص بانشاء (الامم المتحدة) ومن احاديثه الدالة على موقفه التحرري ذلك الذي دار بينه وبين تشرشل على ظهر احدى السفن الامريكية اذ يقول روزفلت : (لايمكنني قبول مبدأ محارب الرق الفاشيستي في الوقت نفسه نرفض تحرير الشعوب الخاضعة لنظام استعماري ينبغي الا يسمح السلام بالابقاء على الاستبداد ايا كان شكله).

كان موقف الرؤساء الامريكان الاربعة قبل فرانكلين روزفلت ومنهم وودرو ولسن مؤيدا للحركة الصهيونية ومطالب الوكالة اليهودية باحتلال فلسطين وطرد اهلها منها وقد خلف ترومان فرانكلين روزفلت فافرط في وعوده لليهود وكان اشد منهم صهيونية واعترف باسرائيل دولة فور اعلانها ,الا ان فرانكلين روزفلت يبقى بين هؤلاء الرؤساء قويا متميزا بحكمته وبعد نظرة وسعة افقه واعتباره لمصلحة بلاده في بترول العرب واحترامه لحقوق الاخرين برغم الضغط الصهيوني عليه حتى من خلال الكونجرس ووزير خارجيته (سمنر ولز) الصهيوني فانه لم يعط الوكالة اليهودية اي تصريح كما اعطاها من سبقه من الرؤساء او من تلاه حتى يومنا هذا وقد حاول (حاييم وايزمان)مرتين في عامي 1940 و 1942 ان يحصل على وعد من روزفلت بالموافقة على مطالب الوكالة اليهودية لكن روزفلت رفض برغم انه هو الذي دعا وايزمان لامريكا للمساهمة في البحوث الخاصة بانتاج المطاط الصناعي على نطاق واسع لاستخدامه في المنتجات الحربية.

ان سياسة روزفلت كانت في ادارة شؤون بلاده هي تنمية اقتصادها وبناء مجتمع ينحو نحو الافضل وقيادة العمليات الحربية في اثناء الحرب العالمية الثانية كل هذا تطلب مجهودا شاقا من روزفلت ,مجهودا ذهنيا وعاطفيا وحركيا ,وقد فاق كل رؤساء امريكا حتى الان في اعماله الكبرى لبلاده التي احبها لقد غير الفكر والبناء الاقتصادي ,وتوزيع الدخل في بلاده مما حقق زيادة الدخل والقضاء على الحرمان وبناء مجتمع افضل ,وخلال هذا لم يتوقف عن الحركة داخل بلاده او خارجها برغم انه كان قعيدا على كرسي متحرك ,لم يقعده شلل ساقيه عن الطواف بارجاء بلاده ومتابعة مشروعاتها المختلفة , وكثيرا ماكان يقود سيارته بنفسه , والتي صنعت خصيصا له ليقودها بيديه فقط ,كما جاب البحار والبلاد في اثناء الحرب العالمية الثانية , متابعا تطورات الحرب ومجتمعا بالقادة والسياسيين من الحلفاء كان فرانكلين روزفلت في اعين العالم اجمع كما كان في اعين الامريكان رجلا كاملا.