بلوغ القمة على كرسي متحرك

بلوغ القمة على كرسي متحرك

متوقد منه الزمان وربما كان الزمان بآخرين بليدا

ليس من السهل ان يقنع شعب بان يلي اموره رجل لايستطيع الحركة الا على كرسي متحرك ,لكن نجاحات فرانكلين روزفلت الكبيرة في كل مااوكل اليه من شؤون امته واخرها ولايته لنيويورك جعل الامريكان جميعا يؤيدونه في انتخابات عام 1932 خلفا للرئيس ( وفر) بعد ان رشحه الحزب الديموقراطي لمنصب الرئاسة فقد جاء الى الحكم في اثناء الكساد الاقتصادي الكبير وعاصر الحرب العالمية الثانية فكانت فترة عصيبة مليئة بالمشكلات والغليان, لكن هذه الظروف القاسية الحرجة هي التي اظهرت عبقرية فرانكلين روزفلت مواجها مشكلات بلاده وقائدا للحلفاء في الحرب العالمية الثانية قعيدا على كرسي متحرك.

في الصفحات القليلة القادمة سنرى عبقرية فرانكلن وابداعاته في مواجهة مشكلات بلاده الاقتصادية وحلها وموقفه من القضايا السياسية على اننا سنتعرف بسرعة على موقفه من قضية العرب متمثلة في مشكلة فلسطين باعتبارها قضية قومية.

**روزفلت والكساد الاقتصادي :

يقوم الاقتصاد الامريكي بل النظام الرأسمالي ككل اساسا على نظام المشروع الحر , او نظام الاطلاق معتمدا على الملكية الخاصة لجميع انواع اصول رأس المال ,اي الملكية ( ارض ,آلات ,ماشية , اموال ........الخ) وعلى حرية الفرد في التعاقد مع الاخرين او اي نشاط اقتصادي هدفه الكسب الخاص والرفاهية الشخصية وقد تنبأ كارل ماركس 1818/1883 بحدوث مايسمى بالدورة التجارية ,او الكساد بصفة دورية , نظرا لتكدس البضائع لدى التجار فلا يستطيعون بيعها وتنخفض الاثمان والارباح وبالتالي تتوقف المصانع عن الانتاج فيتعطل العمال وتكثر حالات الافلاس ويعم الكساد مما ينعكس اثره على المجتمع في كل نواحي الفساد الاجتماعي والخلقي ومظاهر العنف وانتشار الجريمة.

كان الرأي السائد بين الاقتصاديين اتباع دافيد ريكاردو لعلاج هذه المشكلة هو خفض اجور العمال وبالتالي خفض الاسعار لتنشيط المبيعات الا ان الاقتصادي الانكليزي اللورد كينز نشر مؤلفه (النظرية العامة للتوظيف والفائدة , والنقود ) في عام 1936 فلم ينظر للمشكلة الاقتصادية نظرة ضيقة , ولكن نظرة تسع كل نواحي الانشطة الاقتصادية , وتعتمد نظرية كينز على اهمية الاستثمار مركزا على حلول للبطالة.

وذلك بتدخل الحكومة بالاستثمار المباشر الامر الذي يؤدي الى توظيف العمال وبالتالي زيادة ماينفقونه في شراء السلع من غذاء وملبس و...الخ, وبالتالي يحدث تنشيط لحركة المبيعات والتغلب على حالة الكساد ,وقال بان الدولة تستطيع ان تمول هذا الاستثمار الزائد عن طريق ايجاد عجز في الميزانية او خلق نقود جديدة او بغير ذلك من الوسائل.

كان هذا هو العلاج الذي اقترحه كينز للكساد الاقتصادي عام 1936 ولم يكن تحت يد روزفلت في عام 1933 عندما تولى رئاسة الجمهورية الا راى ريكاردو واتباعه ,فماذا فعل روزفلت؟

لقد طبق نظرية كينز هذا الاقتصادي الذي يعد اكبر اقتصادي في القرن العشرين قبل نشرها بعدة سنوات ولعل القرارات الاقتصادية التي عالج بها روزفلت مشكلة الكساد في امريكا هي الدليل الواضح على عبقرية هذا الرجل كمفكر ومنفذ في وقت واحد وقد عالج المشكلة الاقتصادية بعدة خطوات :

أولا:

اعلان وجهة نظره للشعب ونوابه في الكونجرس بضرورة وجود عدالة في توزيع ثروة المجتمع وان يدفع الغنى للفقير المحروم نصيبه من هذه الثروة ذلك بعدالة الاجر والضرائب ,وضرورة وجود رقابة من الحكومة على المؤسسات المالية (شركات الاستثمار الكبرى – البنوك ) والمؤسسات الصناعية الضخمة فيقول Lان الفرد الذي يسير معتزا بماله معتدا بنفوذه سيرة الذئب ,يجب على الحكومة ان تتعقبه وتروضه حتى يستأنس ويصبح اليفا ).

ثانيا :

سرعة اتخاذ القرارات والضغط على اعضاء الكونجرس للبت في القرارات في اسرع وقت ليكون التنفيذ في الوقت المناسب.

ثالثا :

تطبيق اكثر من عشرين قرارا ساعدت كلها على حل المشكلة الاقتصادية والقضاء على الكساد في امريكا في وقت قصير من خلال نظرة شاملة لكل الانشطة الاقتصادية تجارية وصناعية وزراعية , وفي نفس الوقت لحل المشكلات الاجتماعية , التي ترتبت على وجود الازمة وتفاقمها وسنسوق فيما ياتي بعض الامثلة للقرارات والحلول التي وضعها روزفلت لمواجهة الازمة :

1- خفض مرتبات موظفي الحكومة وضباط الجيش مماا وفر 500 مليون دولار .

2- فتح البنوك المغلقة ووضعها تحت رقابة الحكومة واشرافها.

3- اقراض الشركات المفلسة لتفتح ابوابها للعمال العاطلين وفرض رقابة على المؤسسات الصناعية الكبرى مثل صناعة الحديد.

4- الضغط على اصحاب الشركات لرفع اجور العمال وخفض ساعات العمل , كما ساعد العمال وايدهم في تقوية نقاباتهم العمالية لتدافع عن حقوقهم.

5- منع اخراج الذهب من امريكا.

6- منع القوانين التي تبيح الاحتكار في الصناعة الذي يؤدي الى الجشع والتحكم في سعر البيع على حسب رغبة المنتج المحتكر وكما يحلو له وعلى حساب الاخرين .

7- فرض الرقابة على المنشآت التي تصدر السندات والاسهم وبذلك قضى على الشركات الوهمية المزيفة والتي بلغت سرقاتها خلال عشر سنوات اكثر من عشرين بليون دولار ويقول في هذا : اننا في حاجة الى درعين نتقي بهما سيئات النظام القديم ونأمن على انفسنا من عودتها فيجب اولا ان تكون هناك رقابة حاسمة كاملة على البنوك وشئون الاستثمار ويجب ثانيا : ان يقضى على الاتجار والمضاربة باموال الناس ).

8- اقرض المزارعين الذين كانوا افلسوا وتنازلت الحكومة عم مديونتها التي بلغت 1.5 مليار دولار .

9- توسع في نظام التأمينات الاجتماعية والمعاشات .

10- توسع في الاصلاحات العامة (صرف صحي – ماء – كهرباء – طرق ...الخ) مما اوجد فرص عمل وانشأ اكثر من عشرين هيئة لاصلاح مرافق امريكا.

11- اقرض افراد الطبقة الوسطى لتجديد بيوتهم وانشاء مساكن جديدة بلغت مائة وستين الف مسكن,مما نشط الصناعة والبناء واوجد فرص عمل.

12- انشا فرقا مسرحية وموسيقية تنفق عليها الدولة تقدم عروضها في انحاء قرى ومدن امريكا!

على انه في اثناء اصدار هذه القرارات ومراحل تنفيذها واجه روزفلت من الهجوم والنقد ماوصل لحد التجريح في الاجتماعات السياسية وعلى صفحات الجرائد لكنه صمد لهذه الجملات الضارية مؤمنا بصواب مايفعل وقد تحقق ايمانه بانقشاع الازمة فعلا , فالمصارف التي كانت قد افلست فتحت ابوابها ورجع العمال العاطلون الى اعمالهم وحدث رواج للتجارة واحس المجتمع بالامان وتاكد المهاجمون قبل المؤيدون بصدق وعود فرانكلين وصوابها واختفت كل المظاهر السيئة التي نتجت عن الكساد وتخطت امريكا الازمة بفضل عبقرية فرانكلين روزفلت وحبه لامته واخلاصه لها .