عدد الرسائل : 475 العمر : 33 تاريخ التسجيل : 23/07/2007
موضوع: حبى الكبير الأربعاء أغسطس 15, 2007 12:31 pm
منذ وعيت وبدأت عيونى تميز الأشياء ، منذ بدأت أعرف أن هذا هو جدار وهذا كرسى ، شد انتباهى ذلك الجدار الطويل فى منزلنا ، كان يتلألأ عليه ألف ضوء وأكثر ، بألوان اختلفت وتمايزت فمنها الأصفر الباهت ومنها المذهب ومنها الأحمر .. ومنها ….
كنت أقف مشدوهة أمام هذا الكم الكبير من الأنوار ، بصرى يتنقل بينها حتى يزيغ ، ورقبتى تؤلمنى من النظر الى الأعلى حتى كنت أشعر بالدوار أحيانا .
أراقب والدي كل يوم وهو يقف أمامها مسرورا باسما يصيبنى الفضول أركض نحوه ، ينحنى ، يقبلنى ثم يرفعنى بيديه ثم يقول " أنظرى يا طل الى ثروتى حافظى عليها يا ابنتى لا تضيعيها انتبهى انها حبى الكبير يا طل إن بيتا لا يوجد فيه مثل هذه الأنوار الساطعة هو بيت لا يستحق السكن ولا يسمى بيتا إنه …….
فى أحد المرات سمعت والدتي تطلب من والدى أن يذهب الى السوق ويأتى ببعض الحاجات المنزلية فرد عليها وقال : اجملي بالطلب فليس لدي الكثير من النقود ، غاب والدي ساعة ثم رجع وبيده كيس متوسط الحجم ليس فيه سوى قطعة واحدة ! سألته أمى أين الحاجات التى طلبتها فأجابها :
لقد جئتك أيتها الحبيبة بثروة عظيمة ستعطيها لأولادك ولمن يأتى بعدهم ابتسمت أمى برضى محبب وعرفت ما يرمى اليه أبى وأخرج لها تلك الثروة من الكيس فكان مجلد " زهر الأداب " لأبى إسحاق ابراهيم بن على الحصرى القيروانى والذى لا بد للمتأدب منه ومن قراءته مرات ومرات هذا ما عرفته عندما كبرت .
لم أفهم هذا الكلام فى البداية مع انى حفظته عن ظهر قلب لكثرة ما كان يردده أمامى .
إننى أتذكر الآن كم عبثت بأنوار أبى محاولة أن أقلده بالشطب عليها بالقلم مرة أو بتمزيق بعض الصفحات مرة أخرى وأضحك كثيرا عندما كان يهرول نحوى لينقذ ما تبقى من بين يدي الصغيرتين …
كم أفتقد تلك الأنوار ، كم أفتقد تلك المكتبة ، لقد وقعت فى حبها وتيمت فى هواها وها أنا بعيدة عنها جدا كم أشعر بالحاجة إليها ، كم أشعر باليتم من غير أحبائى المستطرف والعقد الفريد وبداية ونهاية ابن كثير وتاريخ ابن جرير الطبرى وشاعر النيل وأمير الشعراء ولامرتين وغوته وغيرهم .. و …....
صدقونى هذا ما أفتقده فى غربتى وهذا ما أبكانى الآن وهذا ما يجعلنى أكتئب عندما أحتاج الى مرجع أعود اليه ولا أجد .
كل ما أريد قوله لأحبائى الآن زينو بيوتكم بهذه اللآلئ فمن كان منكم ميسورا فليجعل جدارا من بيته يتلألأ بالأنوار فاذا ما ولد له طفل نما وترعرع وهو يرى النور الساطع يملأ المكان. طل**