للشاعر الانكليزي وليم بليك
تعرّف الموسوعة البريطانية "بريتانيكا"وليم بليك بأنه "متصوف وشاعر وفنان انجليزي" ومن يقرأ عن بليك لايستطيع ان يفصل بين شعره وبين تصوفه ,فما شعره الا ومضات واشراقات صوفيه ورموز لأفكاره وفلسفته الروحية.
ومن الملاحظ اننا لانستطيع ان نفصل بين فنه كرسام ,وماتحمل رسومه من الصوفية ,وشعره المبتكر بما يحمل من موضوعات جديدة غير مطروقة ,فاصبحت مواضيعه رائدة للمدرسة الرومانتيكية في انكلترا.
فلوحاته شعر مرسوم بخيال الفنان وحساسية الشاعر والهام المتصوف.
ولد وليم بليك في لندن في الثامن والعشرين من شهر نوفمبر عام 1757م لأسرة رقيقة الحال,وكان والده يمتهن بيع الجوارب,ويمتلك ثقافة دينية جيدة كان لها الاثر الكبير على بليك وعلى فنه .
ولا نستطيع ان نبعد بليك الشاعر عن بليك الرسام وعن نهايات القرن الثامن عشر الذي اتُفق على تسميته عصر التنوير الذي مهد لثورة الفرنسية وكانت تلك الحقبة بداية الحركة الرومنسية التي ترتبط ارتباطا وثيقا بأفكار الثورة الفرنسية التي بث بذورها جان جاك روسو في عقده الاجتماعي.
وماجعلني اكتب هذه المقدمة من غير ابتعاد عن الشاطىء هو الوصول الى قصيدته الشهيرة"النمر",ولا يخلو اي كتاب من مختارات الشعر الانكليزي من هذه القصيدة فهي أشهر القصائد الغنائية في اللغة الانكليزية ,وعندما سمع الفيلسوف البريطاني" بريتراند راسل " هذه القصيدة لاول مرة بكى من انفعاله وهو الفيلسوف العقلاني التجريدي.
ومن الطريف ان كثيرا ممن قرأو هذه القصيدة كانوا يهرعون الى حدائق الحيوان ليروا النمر كما رآه "بليك"وأترك للقارىء ان يرى كيف رسم بليك لوحة ملونة في غاية الابداع للنمر بلونه البرتقالي المتوهج ذي الخطوط الداكنة .
فجلده يجمع بين وميض النار والسنة الدخان المتصاعدة وهذا اللون يخرج فجأة من أعماق الغابة المظلمة بأشجارها الباسقة ونباتاتها الكثيفة.
فالنمر بطلعته المهيبة يخترق السكون ,وهنا تتوالى التناقضات ,تناسق ورشاقة تتسم بالشراسة والوحشية ,وهيكل بديع تتوقد في بريق عينيه الرهبة والقوة ويطل منهما الموت ,كما ينبع هذا التناقض من هذا الجلد الناعم الملمس بفرائه المخملي الذي يخبىء تحته ذلك المخلب القاتل.
لاأريد ان اسرح كثيرا في هذه القصيدة الرائعة ولا في تناقضاتها المبدعة ,وسأترك لك ايها القارىء العزيز ان تتيه بخيالك مع النمر وبليك كيفما شئت.
النمر
أيها النمر المتألق في وهج
في اعماق غابات الليل المعتمة
أي يد أزلية أي عين سرمدية
صاغت ذلك التناسق الرهيب؟
في أي أعماق سحيقة,في أي سماوات بعيدة ...
أضرمت النار من بريق عينيك؟
أي أجنحة تجرؤ
أي يد باسلة تقبض على ذلك السعير المتأجج؟
أي حذق وأية قوة
جدلتْ ألياف قلبك الفولاذية؟
وعندما يبدأ قلبك في الخفقان
أي يد تبطش واي أقدام ترهب؟
أي مطرقة وأي سلاسل حديدية
صاغت هامتك النارية؟في أتون من سعير
أي نبضة تجرؤ على لمس مخالبك القاتلة
وعندما ألقت النجوم بحرابها ذات الوميض الخاطف
وبللت السماء بدموعها
هل ابتسمت السماء عندما رأت ماصنعه الله؟
هل الذي خلق الحمل الوديع هو الذي خلقك أيضا؟
أيها النمر المتألق في وهج
في غابات الليل الموحشة
أي يد أزلية أي عين سرمدية
صاغت ذلك الهيكل الرهيب المتناسق.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ